بعدما قضى لويس أنريكي ثلاثة مواسم مع البارسا ، قام قبل نهاية الموسم بأعلان رحيله عن الفريق ، ولقد حان الأن موعد رحيله بعد تحقيق لقب كأس الملك ، ونحن بدورنا هنا سنلقي الضوء على ما قدمه أنريكي مع البارسا خلال مشواره ، وسبب تراجع أداء الفريق في الأونة الأخيرة ، التي من وجهة نظري السبب الأول الذي جعله يقرر الرحيل عن البارسا ، وما تعرض له من انتقادات بسبب ذلك رغم أنه لا يتحمل الامر بمفرده ، ولكنه كان كبش الفداء للأعلام والجماهير بسبب لذلك ، وتقيم مشواره مع البارسا خلال المواسم الثلاثة التي قضاها على رأس الجهاز الفني للفريق .

– التعاقدات

بدون شك أن البارسا كإدارة ومدرب فشلوا في التعاقدات خلال الميركاتو الخاص ببداية الموسم المنصرم ، وللأسف تم تحميل أنريكي مسئولية هذا الأمر بصورة شبه كلية ، ولكن هذا ظلم لأن التعاقدات الكلمة الأولى والأخيرة فيها تكون لإدارة النادي ، حيث يقوم المدرب بتحديد المراكز التي يحتاج فيها الفريق إلى تدعيم ومن ثم يقوم بطرح أكثر من لاعب على طاولة الإدارة التي يكون لها الكلمة الأخيرة في هذه التعاقدات ، بالأضافة إلى ذلك أن كل إدارات الأندية لها أجهزة خاصة بمتابعة الفريق كأداء ومستوى ولاعبين ، وتقديم تقارير عن حالة الفريق ومستوى المدرب واللاعبين إلى الإدارة ، وتحديد المراكز التي يحتاج الفريق إلى تدعيم صفوفها ، فالإدارة لم تكن هنا تحتاج إلى مشورة أنريكي في هذا الأمر ، وأبسط مثل ما تقوم به إدارة ريال مدريد وبايرن ميونخ في هذا الشأن ، بالإضافة إلى عدم وجود لاعبين في الميركاتو يستطيعون اللعب بنفس أسلوب اللعب الذي يطبقه البارسا ، بالأضافة إلى أن أنريكى عندما كان يحاول القيام بأراحة لاعبيه الأساسيين واللعب بالأحتياط ، كانوا لا يقدمون مردود جيد بسبب تفاوت المستوى بينهم وبين اللاعبين الأساسيين وعدم قدرتهم على تطبيق نفس أسلوب اللعب ، ومن ثم يقع أنريكي في ورطة بسبب ذلك ، تفاوت المستوي ، بالأضافة إلى عدم إمتلاكه لاعبين لديهم القدرة على إعطاء اضافة في حال أحتاج الفريق لهم كأحتياطين في المباريات الكبيرة .

– التيكي تاكا

بالنسبة لأسلوب لعب البارسا الخاص بالتيكي تاكا والأداء الجمالي الذي كان يقدمه البارسا في حقبة جورديولا فلقد أنتهى نهائيا ولا يتوقع عودته قريبا ، فلقد أنتهت في عام 2015 عندما تسلم أنريكي الفريق ، وقام بإعادة الفريق إلى الفلسفة القديمة واللعب بطريقة الكرة الشاملة ، حيث بدأت التيكي تاكا في الأنتهاء تدريجيا عام 2013 ، فكان لابد من إعادة بناء الفريق مرة أخرى والذي قام بذلك هو لويس أنريكي ، حيث جعل الفريق يقدم أداء قوي وبجمالية عالية رغم أختلاف منظومة اللعب من التيكي تاكا إلى الكرة الشاملة ، وهذا الأمر يحسب لأنريكي ولكنه في الأعوام التالية لموسم الثلاثية لم يقدر على تقديم نفس الجمالية في الأداء ولا تقديم نفس الكرة التي قدمها الفريق في حقبة التيكي تاكا ، وهذا الأمر طبيعي جدا ، ولكن للأسف لم يتقبله الجماهير بصدر رحب ، وتناسوا أن التيكي تاكا قد أنتهت وأن الفريق عاد مرة أخرى الي الكرة الشاملة ، وذلك بسبب عوامل كثيرة منها حفظ المدربين واللاعبين أسلوب لعب البارسا ، وترك بعض العناصر الأساسية في منظومة التيكي تاكا الفريق وتقدم بعضهم في السن ككارلوس بيول وتشافي ، بالإضافة إلى تراجع مستوى بعض اللاعبين في الفريق في الآونة الأخيرة مثل ماسكيرانو وألبا وبوسكيتس وانيستا ، وعدم وجود لاعبين لديهم القدرة على تطبيق نفس فلسفة التيكي تاكا لكي يتم التعاقد معهم أو تصعيدهم من الفريق الثاني ، وبالتالي  لا يمكن لوم لويس أنريكي على انتهاء حقبة التيكي تاكا كمدرب ، وما كان يقدمه الفريق من جمالية في الأداء أفتقدها في الآونة الاخيرة ، بل يجب الأشادة به لنجاحة في إعادة بناء الفريق مرة أخرى وبطريقة لعب مختلفة ، لأن التيكي تاكا أنتهت بأنتهاء لاعبيها .

– جماهير البارسا

جماهير البارسا مثلهم مثل أي جماهير في العالم ، يريدون أن يروا فريقهم يقدم كرة قدم رائعة وممتعة وقوية ، ولكن جماهير البارسا تعودوا منذ بناء هذه الفلسفة الخاصة بالتيكي تاكا رؤية فريقهم يقدم كرة قدم قوية تكتيكيا وتمتاز بالجمالية والمهارة العالية والمتعة في الأداء ، ولكن جماهير البارسا لم يتمكنوا إلى الان من قبول فكرة أنتهاء التيكي تاكا ، وحتى منهم من تمكن من قبول هذه الفكرة لا يقبل أن يقدم فريقه آداء خالي من الجمالية والمتعة كما كان في السابق ، حيث أنهم تعودوا دائما على رؤية فريقهم يستحوذ ويسيطر على الكرة أمام أي فريق مهما كانت قوته ، والجميع كان يواجههم إما بالتراجع واللعب على المرتدة أو بالضغط العالي ، وحتى عندما كانوا يخسرون كانوا يقومون بتقديم آداء جيد وتكون نسبة الأستحواز في صالحهم ، ونسوا جميعا أن كتلة التيكي تاكا أستمرت فترة ليست بالقصيرة حيث أستمرت ما يقرب من سبع سنوات ، ونسوا أيضا أنها تعتمد على اللاعبين وأن هؤلاء اللاعبين الذين تم بناء الفلسفة عليهم لم يعودوا متاحين للفريق ، بكونهم إما أعتزلوا أو تراجع أداء بعضهم أو رحيل بعضهم عن الفريق ، وبالتالي لابد من البناء من جديد وليس البكاء على الأداء الذي يفتقد للجمالية أو تراجع الأداء والنتائج بسبب ذلك .

– تقييم مشواره

أن قمنا هنا بتقييم موسم أنريكي الأخير وجعلناه معيار للتقييم ، فبكل تأكيد سنظلمه كمدرب وللأسف هذا ما يفعله الجميع ، ولكن الحقيقة تقتضي تقييم مشواره كاملا مع البارسا ، حيث أنه أتى إلى الفريق بعد موسم كارثي خسر فيه الدوري أمام أتليتكو مدريد على ملعبه الكامب نو ، وخرج من بطولة دوري الأبطال على يد نفس الخصم ، وخسر نهائي الكأس أمام ريال مدريد وكان الفريق في حالة سيئة جدا ، ومن ثم تسلم الفريق وبدأ في بنائه وأعداده خلال الدور الأول من الموسم ثم قدم فريق قوي جدا بطريقة لعب مختلفة كلية وحقق ثلاثية في أول موسم له مع الفريق ، ولقد حقق 9 بطولات خلال ثلاثة مواسم مع الفريق ، فبكل تأكيد مدرب قوي جدا وناجح جدا رغم إخفاقه في الموسم الثالث ، وهذا الاخفاق كان بسبب تدني مستوى أغلب اللاعبين خلال هذا الموسم ، كما أن التعاقدات لم تكن جيدة ولم تعطي الأضافة ، بالأضافة إلى عدم أمتلاكه دكة قوية تعطيه خيارات كثيرة أو حتى أراحة بعض اللاعبين الأساسين ، فلا يمكن أن ننسب الأنجازات للاعبين وفي حالة الأخفاق نلوم المدرب فقط كما حدث مع أنريكي ، لأن كلاهما شريك في ذلك ، والحقيقة هى أن كرة القدم يوم لك ويوم عليك وأن أستمرار الفريق على نفس المستوى والنسق لمدة ثلاثة مواسم مع وجود منافسة قوية صعب جداً ، فيجب على الجميع أن يتفهم هبوط مستوى فريقه بتعقل لأن هذا هو الطبيعي ، لأنها رياضة بشرية فكما أنها تخضع للتفوق في المستوى تخضع أيضا للتراجع والأخطاء ، لان من يطبقها بشراً وليسوا آلات .

ولنتحدث بنظرة المستقبل والتاريخ ، فعندما نأتي بعد عشرين عاما ونقول لشخص أن لويس أنريكي حقق مع البارسا 9 بطولات خلال ثلاثة مواسم ، بطولة دوري أبطال أوروبا ، وبطولتين دوري أسباني ، وثلاثة بطولات كأس في ثلاثة مواسم على التوالي ، وبطولة سوبر أسباني ، وبطولة سوبر أوروبي ، وبطولة كأس عالم للأندية ، سيقول بكل تأكيد مدرب عبقري وناجح ، وسيتسائل بدهشة لماذا ترك الفريق .