أعلن نادي بايرن ميونخ الألماني مطلع العام  الجاري تعاقده مع المدرب الايطالي المحنك كارلو انشلوتي لتدريب الفريق ابتداء من الموسم المقبل خلفا للفيلسوف الاسباني بيب غوارديولا الراحل نهاية الموسم لدوري الأسود الثلاث.

ويعتبر تعاقد البايرن مع انشيلوتي استمرارا للخطوات الإدارية الحكيمة التي أصدرتها أدارة النادي البافاري خلال السنوات السابقة مما تسبب بتواجد كبير ألمانيا بين أفضل ثلاث أندية في أوروبا لعدة سنوات متتالية ومستمرة حتى اللحظة.

فبعد موسم الثلاثية التاريخية مع يوب هاينكس تعاقد البايرن مع مدرب ثوري نقل اساليب كرة القدم الحديثة للعملاق البافاري رافعا معه سقف طموح مشجعي النادي للفضاء الخارجي, فكان الفوز بلقبي الدوري والكأس والوصول لنصف نهائي دوري الابطال فشلا بالنسبة لهم رغم ان فرق اخرى تعتبر من الأفضل في اوروبا لم تتمكن من فعل ذلك.

ويتوقع ان يستمر النجاح غير المنقطع للبايرن مع المايسترو الايطالي, كيف لا وكارليتو اثبت حنكته التدريبية في كل مكان درب فيه. فبعد سنين مع ميلان جعل فيها الروسونيري أقوى أندية القارة العجوز, ومن ثم تحقيقه لقبي الدوري الانجليزي والفرنسي مع تشيلسي وباريس سان جيرمان على الترتيب, انتهاء بتحقيقه العاشرة الأسطورية التي ظلت مستعصية على ملوك مدريد أثنى عشر عاما.

ورغم ان التقاء البايرن مع انشيلوتي قد يعتبر مؤشرا لشراكة ناجحة الا انه هناك عدة عوامل قد تجعل من وصول كارلو لميونخ نقطة تحول في تاريخ النادي والمدرب وربما كرة القدم!

لأول مرة أدارة حكيمة

رغم ان تاريخ انشيلوتي مليء بالنجاحات اللامتناهية الا انه كان بالإمكان ان يحقق بطولات أكثر لو تعامل مع إدارات أفضل من التي تعامل معها, فتدخلات بيرلسكوني أثناء تدريب كارليتيو لاي سي ميلان معروفة للجميع, حيث ان السياسي ورجل الأعمال الايطالي المثير للجدل كان يطلب من انشيلوتي اللعب بمهاجمين ليتحول شكل الفريق ل 4-3-1-2 بدلا من الماسة انشيلوتي التي أرعبت اوروبا.

وفي تشيلسي فرض على كارليتو التعاقد مع توريس وإشراكه أساسيا وحتى عدم تبديله, فكان انشيلوتي يخرج دروجبا بينما يبقي توريس طوال ال90 دقيقة رغم مستواه المتدني منذ انتقاله للبلوز. اما في باريس فانشيلوتي نفسه تكلم عن تعرضه للتهديدات بالإقالة من قبل الإدارة بعد تعرضه  لخسارة في الدوري المحلي مما جعله يرحل في نهاية المطاف. اما في ريال مدريد فلا داعي للحديث فكارليتو لم يكن يختر من يأتي ومن يرحل ولا حتى يختار التشكيلة او التبديلات!! ورغم ذلك تمكن من جعل فريق لم يختر فيه أي شيء لمرعب أوروبا طوال سنة كاملة محققا رقم قياسي بعدد الانتصارات المتتالية.

هذه الإحداث كلها لن تحصل في البايرن فهناك ادارة محترفة رياضية لا تتدخل ابدا في عمل المدرب بأي شكل من الإشكال. إضافة لذلك فانشيلوتي سيكون ربما لأول مرة صاحب رأي باللاعبين الذين يريد التعاقد معهم والذين يريد التخلص منهم. ولن يتجرأ اي لاعب لافتعال مشكلة مع المدرب فالإدارة ستقف حتما داعمة للمدرب مع العلم ان لاعبي البايرن معظمهم محترفين كاملين يبقون تركزيهم داخل الملعب وليس في المؤتمرات الصحفية ومشاكل غرف الملابس.

خبرة اوروبية مرونة و احترام

يتميز كارلو بمرونته التكتيكية الكبيرة جدا التي تجعله يتكيف مع كافة أنواع اللاعبين وأساليب اللعب. فمن المتوقع ان يتبع كارلو أسلوب يناسب الماكينات التي يمتلكها ويخرج أفضل ماعندها. خصيصا بعد كثرة الانتقادات لأسلوب غوارديولا الذي يقيد لاعبي الفريق ويجعلهم يلعبون بفلسفة مختلفة تماما عن الفلسفة الألمانية.

يمتاز انشيلوتي أيضا بعلاقة ممتازة مع اللاعبين, فلم تذكر له مشاكل كثيرة مع اللاعبين الذين دربهم خلال مسيرته وفي معظم الحالات كان يحظى بالحب والاحترام من قبلهم. وهو ايضا صانع كبير للنجوم ومطور من مستواهم فريكاردو كاكا كان أفضل لاعب في العالم تحت قيادة كارلو وبيرلو أصبح ريجيستا أسطوريا بعد ان غير انشيلوتي مركزه من صانع العاب, وكريستيانو رونالدو حقق كرتين ذهبيتين بعدما نجح انشيلوتي بتوظيفه كمهاجم بعد ان كان جناح. تاريخ انشيلوتي الحافل مع النجوم هو بمثابة امل لمشجعي النادي البافاري الذين يرغبون باستعادة احد أهم المواهب الألمانية ماريو جوتزيه لمستواه مع دورتموند, ومن يدري فربما يتمكن انشيلوتي من تطوير توماس مولر ليجعل منه ماكينة أهداف وربما الأفضل في العالم مستقبلا.

خباثة أوروبية

امتلك البايرن كل شيء للحصول على لقب دوري أبطال أوروبا في الموسمين السابقين, فالعملاق البافاري يمتلك لاعبين من أعلى جودة وشخصيا قوية يهابها كل أندية أوروبا الا ان الفريق كان دائما ماينقصه شيء في نصف نهائي دوري الأبطال الا وهو الخباثة التكتيكية, فأحيانا يتطلب الوضع إتباع أسلوب تكتيكي مختلف عن مايتبعه الفريق طوال الموسم مما يتيح له مفاجئة الخصم والوصول للنهائي. الخباثة المفقودة بالتأكيد ستعود مع وجود مدرب ايطالي, فكيف ان كان أيضا أفضل مدرب في تاريخ دوري الأبطال!

كل المؤشرات تجعل من إخفاق كارلو انشيلوتي مع بايرن ميونخ غير منطقيا, والتوقعات تدل على استمرار اكتساح البافاري المحلي والنجاح الاوروبي على اقل تقدير, رغم شعوري بأن تعاقد أدارة البايرن مع كارلو كان هدفه إنشاء فريق يخلد في التاريخ مع ميلان ساكي وبرشلونة غوارديولا.

لمتابعة الكاتب عبر الفيسبوك